Qayym إرث الطواحين

تنهض (أوروا) فجر كل يوم من فراش زوجها (نبتيون)، لتسوق أمَامها الشَّمس الوردية في رحلتها اليوميَّة من المشرق إلى المغرب، لتمرَّ فيمَا بالطَّاحُونة، التي بناها مُحمَّد عَلي فوق التَّل، الذي يرتفع في قلب مركز كُوم الطَّاحُونة(1) الواقع بمُحافظة البحيرة. 

الطَّاحُونة هي الأثر الوحيد المُتبقي بالبلدة، على الأقل كمَا هو واضح لهم، فكمَا يزعم الأهالي تعود نشأة الطَّاحُونة إلى عهد مُحمَّد عَلي، الذي اسْتعان بالهُولنديين، رُوَّاد هذا المجال، على إنْشاء الطَّواحين في أرجاء مصر. 

وحسبمَا يُقال، فإنَّ الطَّاحُونة الشَّامخة، فوق التَّل الذي يتوسط البلدة، إنَّمَا هي واحدة من سبع طواحين، بناها الهُولنديون في عهد مُحمَّد عَلي، من أجل طحن الغلال، لكنَّ السِّت طواحين الأخرى سقطت الواحدة تلو الأخرى بمُرور الزَّمن، فلمْ تبقَ إلا هذه القائمة فوق التَّل، يراها القاصي والدَّاني، شامخة ببنائها الأسطواني من الطُّوب الأحمر، الذي صمد في مُواجهة عبث الزَّمن، وفوقها ثلاث ريشات خشبيَّة عملاقة، طوَّحت بالأحداث والخُطوب بعيدًا عن مجالها، فهي مُنتصبة ومُتعالية، مُفاخرة بتاريخها، مُتباهية بأبديَّتها.

ورغم تاريخها، الذي يعتزُّ به أهل البلدة، إلا أنَّ الطَّاحُونة ليست مُدرجة في كُشوف الوَزارة كأثر تاريخي، بل إنَّ المثير للدَّهشة حقًا أنَّ أهل البلدة لا يعبأون بذلك، فهم لا يكترثون لمَا يعتقده الآخرون، وجُلُّ مَا يعنيهم هو مَا يعتقدونه هم أنفسهم.

قد يبدو ذلك ليبراليًّا على نحو مَا، لكنْ، وعلى نحو آخر، إنْ كنت واحدًا ممن يعيشون في كنف كُوم الطَّاحُونة، فإنَّك مُجبر على الإيمَان بمَا يُؤمنون به.